سورة المجادلة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المجادلة)


        


قوله تعالى: {ألم ترى إلى الذين تولَّوا قوماً غضب الله عليهم} نزلت في المنافقين الذين تولَّوا اليهود، ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين. وقال السدي، ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق، وذلك أنه كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفع حديثه إلى اليهود، فدخل عليه يوماً، وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فعلت» فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبّوه، فأنزل الله هذه الآيات. وروى الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ظل حُجرة من حجره، وعنده نفر من المسلمين، فقال: إنه سيأتيكم إِنسان ينظر إِليكم بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تُكلِّموه، فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا بالله واعتذروا إليه، فأنزل الله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون...} الآية.
فأما التفسير، فالذين تولَّوا: هم المنافقون، والمغضوب عليهم: هم اليهود {ما هم منكم} يعني: المنافقين ليسوا من المسلمين، ولا من اليهود {ويحلفون على الكذب} وهو ما ذكرنا في سبب نزولها وقال بعضهم حلفوا أنهم ما سبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تولَّوْا اليهود {وهم يعلمون} أنهم كَذَبة {اتخذوا أَيْمانهم جُنَّةً} أي: سترة يَتَّقُون بها القتل. قال ابن قتيبة: المعنى: استتروا بالحلف فكلما ظهر لهم شيء يوجب معاقبتهم حلفوا كاذبين، {فصدُّوا عن سبيل الله} فيه قولان:
أحدهما: صَدُّوا النَّاس عن دين الإسلام قاله السدي.
والثاني: صَدُّوا عن جهادهم بالقتل وأخذ مالهم.
قوله تعالى: {فيحلفون له} قال مقاتل، وقتادة: يحلفون لله في الآخرة أنهم كانوا مؤمنين، كما حلفوا لأوليائه في الدنيا {ويحسبون أنهم على شيءٍ} من أَيمانهم الكاذبة {ألا إنهم هم الكاذبون} في قولهم وأَيمانهم.
قوله تعالى: {استحوذ عليهم الشيطان} قال أبو عبيدة: غلب عليهم، وحاذهم، وقد بينا هذا في سورة النساء عند قوله تعالى: {نستحوذ عليكم} [آية: 141] وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: {أولئك في الأَذَلِّين} أي: في المغلوبين، فلهم في الدنيا ذُلُّ، وفي الآخرة خِزْيٌ.


قوله تعالى: {كتب الله} أي: قضى الله {لأغلبن أنا ورسلي} وفتح الياء نافع، وابن عامر.
قال المفسرون: من بُعث من الرسل بالحرب، فعاقبة الأمر له، ومن لم يبعث بالحرب، فهو غالب بالحجة {إن الله قويٌّ عزيزٌ} أي: مانع حزبه من أن يذل.
قوله تعالى: {لا تجد قوماً...} الآية. اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه يوم أُحد، وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، فقال: يا رسول الله دعني أكون في الرَّعلة الأولى، فقال: متِّعنا بنفسك يا أبا بكر، وفي مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن حمنة يوم أُحد، وفي عمرو قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر، وفي علي وحمزة قتلا عتبة وشيبة يوم بدر، قاله ابن مسعود.
والثاني: أنها نزلت في أبي بكر الصِّدِّيق، وذلك أن أبا قحافة سَبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصكَّه أبو بكر الصديق صَكَّةً شديدةً سقط منها، ثم ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو فَعلته»؟ قال: نعم. قال: فلا تعُد إِليه، فقال أبو بكر: والله لو كان السيف قريباً مني لقتلته، فنزلت هذه الآية، قاله ابن جريج.
والثالث: نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ، وذلك أنه كان جالساً إلى جنب رسول الله، فشرب رسول الله ماءً، فقال عبد الله: يا رسول الله أبق فضلة من شرابك، قال: وما تصنع بها؟ قال: أسقيها أبي، لعل الله سبحانه يطهر قلبه، ففعل فأتى بها أباه، فقال: ما هذا؟ قال: فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها، لعل الله يطهر قلبك، فقال: هلا جئتني ببول أُمِّكَ! فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: ائذن لي في قتل أبي، قال: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفق به، وأحسن إليه»، فنزلت هذه الآية قاله السدي.
والرابع: أنها نزلت في حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزم على قصدهم، قاله مقاتل، واختاره الفراء، والزجاج.
وهذه الآية قد بَيَّنتْ أن مودَّة الكفار تقدح في صحة الإيمان، وأن من كان مؤمناً لم يوالِ كافراً وإِن كان أباه أو ابنه أو أحداً من عشيرته.
قوله تعالى: {أولئك} الذين، يعني: الذين لا يوادُّون من حادَّ الله ورسوله {كَتب في قلوبهم الإيمان} وقرأ المفضل عن عاصم {كُتِبَ} برفع الكاف والنون من {الإيمان}. وفي معنى {كتب} خمسة أقوال.
أحدها: أثبت في قلوبهم الإيمان، قاله الربيع بن أنس.
والثاني: جعل، قاله مقاتل.
والثالث: كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان حكاه الماوردي.
والرابع: حكم لهم بالإيمان. وإنما ذكر القلوب، لأنها موضع الإيمان، ذكره الثعلبي.
والخامس: جمع في قلوبهم الإيمان حتى استكملوه، قاله الواحدي.
قوله تعالى: {وأيَّدهم} أي: قوَّاهم {بروحٍ منه} وفي المراد بالروح هاهنا خمسة أقوال:
أحدها: أنه النصر، قاله ابن عباس، والحسن. فعلى هذا سمي النصر روحاً، لأن أمرهم يحيا به.
والثاني: الإيمان، قاله السدي.
والثالث: القرآن، قاله الربيع.
والرابع: الرحمة، قاله مقاتل.
والخامس: جبريل عليه السلام أيَّدهم به يوم بدر، ذكره الماوردي. فأما {حِزْب الله} فقال الزجاج: هم الداخلون في الجمع الذين اصطفاهم وارتضاهم، و{ألا} كلمة تنبيه وتوكيد للقصة.

1 | 2 | 3